ثقافة وتعليم

أنور الجندي



يتمحور هذا المقال حول شخصية “أنور الجندي”، الفيلسوف والمفكر العظيم، الذي عُرف بسعة عطائه وشدة عمقه، الشخص الذي أفنى عمره وحياته، واستثمر مواهبه وقدراته في سبيل أفكاره وما يؤمن به، وهو من الكُتاب الذين بدأوا مشوارهم الأدبي باكرًا، فلقد عُرف أيضًا بتعدد وتنوع مؤلفاته في الكثير من الاتجاهات، ومن خلال فقرات هذا المقال سنعرض السيرة الذاتية الخاصة بالكاتب والباحث أنور الجندي من حيث نشأته، مشواره الأدبي، أبرز إسهاماته وتكريماته وكذلك تاريخ وفاته.

نشأة الكاتب أنور الجندي

كان أنور الجندي من أبناء الصعيد التابعين لمحافظة أسيوط وقرية ديروط تحديدًا، حيث وُلد عام 1917 ميلاديًا لعائلة عريقة النسب، فلقد حفظ الجندي القرآن الكريم كاملًا باكرًا في كُتاب القرية، التحق بمدرسة التجارة في مرحلة التعليم المتوسط، ومن بعد تخرجه ألحقه أبوه بوظيفة مرموقة في بنك مصر، كما واصل تعليمه خلال فترة عمله، فلقد درس الإقتصاد وإدارة الأعمال بالجامعة خلال الفترة المسائية، كما التحق بالجامعة الأمريكية وتخرج منها وهو يجيد اللغة الإنجليزية، حيث سعى لإتقانها؛ ليتمكن من الإطلاع على شبهات الغربيين التي تسيء للإسلام أول بأول.

مشوار أنور الجندي في الكتابة

يُعد الجندي من الأشخاص الذين بدأوا مشوارهم الأدبي في مرحلة مبكرة، فلقد كانت له تجربة نشر في مجلة أبولو الأدبية السامية في عمر السابعة عشر، وكانت خطوة مبدأية أدت به إلى المشاركة والنشر في أشهر الجرائد والمجلات حينذاك، ومن بينها البلاغ وكوكب الشرق والرسالة وغيرهم من المجلات والصحف.

وكان عام 1940 من أبرز الأعوام وأهمها في حياة الكاتب أنور الجندي، ففي هذا العام قرأ عن كتاب “وجهة الإسلام” الذي أصدره مجموعة من المستشرقين، فهذا الكتاب لفت نظر الجندي إلى فكرة التحدي لأجل الإسلام ومؤامرة فكرة التغريب، فلقد اتخذ قلمه وفكره سلاحه يقاوم بهم الغزو الثقافي والنفوذ الفكري.

ومن هُنا اخترق أنور الجندي ميدان الأدب، حيث كان من أكثر الميادين غزوًا وأوسعها انتشارًا حينذاك، واجه قامات عالية في هذا المجال، واستطاع أن يكون نفسه ويخرج بأفكاره الفريدة من بينهم، حيث استطاع تأليف عشرات الكتب غنية المحتوى، ومن بين مؤلفاته خص طه حسين  في كتابين كبيرين، ولقد كان الجندي يتحرى الدقة والإنصاف، حيث أتت كتاباته ومؤلفاته الرصينة عادلة في الوقت نفسه لأصحاب الفكرة الإسلامية الصائبة.

أبرز إسهامات الكاتب أنور الجندي

عُرف عن أنور الجندي عمله الدؤوب وهمته العالية، فلقد بحث واطلع على الكثير من المجلات والمؤلفات الكبرى، كما لقى الجندي الكثير من التعب في طريق جهاده بالكلمة والقلم، فقد تعرض لمواقف ظلم وأذى، فضلاً عن أنه تم اعتقاله لمدة عام سنة 1951ميلاديًا، كما سار الجندي على المنهج الإسلامي، فلقد وضع منهجًا متكاملًا لمقدمات العلوم والمناهج، يكون بمثابة زاد لكل أبناء الحركة الإسلامية، فأصدر هذا المنهج في عشرة أجزاء ضخمة كمجلدات، يناقش فيه الجذور الأساسية  المكونة للفكر الإسلامي التي أنشأها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كما تناول كل ما واجهه من محاولات ترجمة للفكر اليوناني الفارسي والهندي، وذكر أيضًا كيف نشبت حركة اليقظة الإسلامية في العصر الحديث من قلب العالم الإسلامي نفسه، والتقاؤه بالشيخ حسن البنا أثر في إصدار هذه الموسوعة الضخمة، والتي يعجز أي قائم على المؤسسات والمجامع أن تؤلف مثلها أو بشيءٍ أقرب منها.

كما كانت قضية تحكيم الشريعة الإسلامية من القضايا الأساسية التي شغلت مساحة كبيرة من تفكيره، حيث كان يقول: “أنا محام في قضية الحكم بكتاب الله، ما زلت موكلاً فيها منذ بضع وأربعين سنة”، وقد قام “الجندي” بتصنيف ما يقرب من مائتي كتاب وأكثر من ثلاثمائة رسالة في قضايا المعرفة والثقافة الإسلامية المختلفة، وكانت وصية الجندي قبل وفاته هي أن يتم تصنيف كتبه ومكتبته كلها، ثم يتم دفعها لأي مؤسسة إسلامية تقوم بطرح هذه المكتبة بأكملها للجمهور من القراء والباحثين للحصول على أكبر استفادة منها، وقد أكد على ضرورة أن يكون كل تراثه الفكري متوافقاً مع المسلمين.

تكريم الكاتب أنور الجندي

لقد نال الأستاذ “أنور الجندي” جائزة الدولة التقديرية في عام 1960 ميلاديًا، كما شارك في الكثير من المؤتمرات الإسلامية التي تم عقدها بعواصم العالم العربي الإسلامي مثل الرياض والرباط والجزائر ومكة المكرمة، كما عمل كمحاضر في عدد من الجامعات الإسلامية المعروفة، ومن بينهم جامعة الإمام محمد بن سعود، وكذلك المجمع اللغوي بالأردن، وبرغم كل هذا النبوغ الذي عُرف به إلا إنه كان زاهدًا في الجوائز والتكريمات واللقاءات التليفزيونية والفضائية، وكان عندما يُسأل عن هذه الحالة، يجيب قائلًا: “أنا اعمل للحصول على الجائزة من الله ملك الملوك”.



وفاة الكاتب أنور الجندي

شهد العالم وفاة الكاتب والباحث “أنور الجندي” مساء يوم الإثنين الموافق 13 ذي القعدة سنة 1422 هجريًا، والموافق 28 يناير 2002ميلاديًا، وذلك عن عمر يناهز 85 عامًا، حيث أفنى حوالي70 عامًا منهم في مجال الفكر الإسلامي، فلقد قضاهم في المقاتلة للحفاظ على الهوية الإسلامية الأصيلة، ونفي أي شبهات باطلة وإنكارالأقاويل المضللة.

عرضنا خلال فقرات هذا المقال أهم التفاصيل التي تكون بمثابة تعريف شامل بالكاتب أنور الجندي، وذلك من حيث نشأته وإسهاماته وتكريمه ووفاته، ولقد أوضحنا كيف كان قمة عالية من قمم مجال الأدب العربي، فلقد ابتدأ مشواره بالكتابة والبحث باكرًا، وأثبت نفسه وأفكاره من خلال مؤلفاته العديدة الشهيرة، وكيف أن العالم افتقد قامة كبيرة مثله، ومدى استفادتها من الإرث الذي تركه وراءه.

هل كان هذا المقال مفيد ؟
مفيدغير مفيد


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *